منوعات

إلغاء انتخابات قسد للمرة الثالثة.. رسالة سياسية أم أزمة اعتراف؟

للمرة الثالثة على التوالي، تتجه الإدارة الذاتية، التي تعتبر الذراع المدني لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إلى تأجيل الانتخابات المحلية التي كانت تنوي إجراؤها هذا الشهر، وفي حين عزت السبب في المرتين السابقتين إلى “قصر الوقت المخصص لفترة الدعاية”، يأتي القرار الحالي ليؤكد أن التأجيل جاء نتيجة ضغوط عدة أبرزها التهديدات التركية.

وفي حين حاولت قوات سوريا الديمقراطية خلال السنوات الماضية تقديم نفسها كقوة وطنية شرعية وليس مجرد سلطة بحكم الأمر الواقع، فإن التأجيل الأخير يكشف عن قيود واضحة تواجه الإدارة الذاتية في جهودها الرامية إلى الحصول على الاعتراف الدولي والقبول المحلي.

وبين التهديد التركي بشن عملية عسكرية والتحفظات الأميركية على إجراء الانتخابات، تأتي هذه التطورات في ظل تعقيدات المشهد السياسي في المنطقة وانفتاح تركيا ونظام الأسد على عودة العلاقات وإمكانية لقاء الرئيسين، وهو ما قابله دعوات من “قسد” للحوار مع جميع الأطراف بما في ذلك أنقرة.

 

التأجيل الثالث

وفي مطلع شهر مايو/أيار الماضي، أصدرت “الإدارة الذاتية” ما أسمته “قانون التقسيمات الإدارية”، والذي قسم المنطقة الخاضعة لسيطرتها إلى سبع محافظات هي: الرقة، ودير الزور، والجزيرة، ومنبج، وعفرين، والطبقة، والفرات، تحت اسم “الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا”.

وبناء على التقسيمات الجديدة، أعلنت الإدارة عن إجراء أول انتخابات بلدية وحددت 30 مايو/أيار موعدا أولا، قبل أن تؤجلها إلى 11 يونيو/حزيران بحجة أن “الوقت المخصص للتحضير لإجراء الانتخابات غير كاف”.

وأثار الإعلان عن الانتخابات غضب تركيا، التي هدد رئيسها رجب طيب أردوغان بشن هجوم جديد في شمال شرقي سوريا إذا أجريت انتخابات في المنطقة، قائلا: “نتابع عن كثب التحركات العدائية لمنظمة متطرفة ضد وحدة أراضي بلادنا، وكذلك سوريا، تحت ذريعة الانتخابات”.

وأكد أن “تركيا لن تسمح لمنظمة انفصالية بإقامة ‘دولة إرهابية’ خارج حدودها الجنوبية في شمال سوريا والعراق”، مضيفا “فعلنا ما كان مطلوبا في الماضي أمام الأمر الواقع، ولن نتردد في التحرك مجددا إذا واجهنا نفس الوضع”.

وتعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه منظمة إرهابية وترى فيه تهديدا لأمنها القومي.

أما الموقف الأميركي الداعم الأبرز لـ”قسد” في المنطقة، فقد جاء مفاجئاً بعدما شهد تغييراً واضحاً إثر التهديدات التركية، إذ اعتبر نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل أن “الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في شمال شرقي سوريا غير متوفرة”.

وقال باتيل “أي انتخابات في سوريا يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، كما دعا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، والولايات المتحدة لا تعتقد أن هذه الشروط متوفرة في الانتخابات”.

بين التهديد التركي والرفض الأمريكي، أعلنت “المفوضية العليا للانتخابات في شمال شرق سوريا” تأجيل الانتخابات للمرة الثانية حتى أغسطس/آب المقبل، مبررة السبب أيضاً بـ”الوقت القصير المخصص لفترة الدعاية الانتخابية”، و”لتأمين الوقت اللازم لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير الانتخابات”.

وقالت الهيئة في بيان لها إن التأجيل “جاء استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية التي طلبت التأجيل بكتب رسمية”، وهي “مجلس سوريا الديمقراطية”، و”تحالف الشعوب والنساء من أجل الحرية”، و”قائمة معا من أجل خدمات أفضل”، و”حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا”.

لكن في ظل الاستعدادات للانتخابات هذا الشهر، أفادت وسائل إعلام مقربة من “قسد”، خلال الأيام القليلة الماضية، أن عدداً من الأحزاب في شمال شرقي سوريا طلبت تأجيل الانتخابات للمرة الثالثة حتى إشعار آخر وحتى تهيئة الظروف المناسبة.

 

تأجيل أو إلغاء؟

ولم تقنع مبررات “الإدارة الذاتية” حول أسباب التأجيل الكثير من المراقبين والمتابعين للأوضاع في المنطقة، إذ يرون أن هناك ثلاثة أسباب حقيقية وراء عملية التأجيل التي تعتبر ذات نكهة إلغاء.

السبب الأول والرئيسي، بحسب ما حدده الكاتب والباحث السياسي علي تمي لموقع “تلفزيون سوريا”، هو التهديدات التركية بالتدخل العسكري في حال استمرت “قسد” بهذه الخطوة.

وإضافة إلى الموقف التركي الرافض، والذي توج بموقف أميركي رافض للخطوة، اعتبر الباحث السوري بدر ملا رشيد أن سبب التأجيل يعود إلى أسباب محلية، سواء فيما يتعلق برفض المجلس الوطني الكردي لها، أو حتى العديد من الأحزاب التي انضمت للإدارة.

وأضاف رشيد في تصريح لموقع “تلفزيون سوريا” أن هذه الأطراف شعرت بخطورة الإقدام على هذه الخطوة دون قبول من السلطات في دمشق أو المجتمع المحلي أو الدول الإقليمية.

من جانبه، عزا الباحث السياسي مهند الكاطع إلغاء الانتخابات إلى ضغوط أميركية وألمانية، لأن إجراء الانتخابات قد يعطي تركيا مبرراً لشن عملية عسكرية جديدة قد تكلف “قسد” خسارة المزيد من المناطق التي تسيطر عليها.

وقال الكاطع في لقاء مع موقع “تلفزيون سوريا”، إن “العلاقات الاستراتيجية والمصالح المتبادلة بين تركيا وكل من أميركا وألمانيا أكبر من أن يتم التضحية بها من أجل رهان مع قسد والأزمة التي تواجهها بعدم الاعتراف بها محلياً كجماعة مرتبطة بالحزب الإرهابي التركي (حزب العمال الكردستاني)”.

ونفى أن يكون تأجيل الانتخابات مرتبطاً بحركة التطبيع بين تركيا والنظام، معتبراً أن هناك “علاقة عضوية بين نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية تشكل معظم سياسات قسد في المنطقة، بما في ذلك الإعلان التدريجي للإدارة الذاتية من جانب واحد وإعلان إجراء الانتخابات للضغط بشكل أكبر على تركيا ودفعها نحو خيارات انفتاح أكبر على الأسد”.

واعتبر أن “الأسد في النهاية استخدم ويستمر في استخدام ورقة قوات سوريا الديمقراطية لإجبار تركيا على تقديم تنازلات في قضية المعارضة العسكرية واللاجئين السوريين”.

وفي هذا السياق، اعتبر علي التميمي أن نظام الأسد هو من طرح فكرة الانتخابات، وليس قسد، لأن “طرح هذه الفكرة في هذا الوقت يهدف للضغط على أنقرة ودفعها للرضوخ لمطالب النظام وإعادته إلى طاولة المفاوضات”، مشيراً إلى أن التنسيق بين قسد ودمشق لم ينقطع أبداً.

ما هي الرسالة؟

وعلى مدى السنوات الماضية، سعت قوات سوريا الديمقراطية إلى ترسيخ نفسها كسلطة أمر واقع في شمال شرقي سوريا، بدعم من تحالفاتها مع واشنطن ونجاحها في محاربة داعش، إلا أنها واجهت تحديات كبيرة في تعزيز شرعيتها السياسية والوطنية.

ومن بين هذه التحديات ما تجلى مؤخراً في إلغاء قرار الانتخابات البلدية، وهو ما يعتبر رسالة واضحة بعدم الاعتراف بـ«قسد» كسلطة سياسية شرعية، وتحويلها من ميليشيا عسكرية إلى كيان سياسي معترف به.

ويرى الكاطع أن إلغاء الانتخابات كان رسالة واضحة مفادها أنه “من غير الممكن الموافقة على تحويل ميليشيات الأمر الواقع التي اقتضت الظروف والمصالح الدولية، بما في ذلك مصالح الأسد، استخدامها في المناطق الشرقية لإضعاف المعارضة وتأمين المنطقة تحت غطاء قتال داعش، إلى حالة سياسية محمية بسلطات التمثيل الشعبي ومهزلة الانتخابات البلدية”.

وتؤكد هذه الرسالة وتوضح فشل مجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، في إقامة أي علاقات سياسية رسمية مع الدول الغربية، واقتصار العلاقة على الفصيل العسكري فقط.

من جانبه، أوضح تمي أن خطوة إجراء الانتخابات ستسرع بشكل كبير من التفكير الجدي لدى الأتراك بتنفيذ عملية جديدة شرق الفرات، و”محاولة قص أجنحة قسد مجدداً ومنعها من الطيران بما يتجاوز قدراتها وحجمها”.

واعتبر كثيرون أن إلغاء الانتخابات هو تبديد لحلم “الإدارة الذاتية” بتصدير نفسها كقوة شرعية وإقامة فيدرالية في المنطقة، لكن رشيد أكد أنه من غير الممكن التنبؤ بالنهايات المغلقة في الملف السوري، إذ أن كل الاحتمالات بشأن شكل الدولة المستقبلي لا تزال مفتوحة، بحسب رشيد، رغم محاولات العديد من الدول قبول الأمر الواقع من خلال استعادة سمعة النظام السوري.

وأشار رشيد إلى أن “هشاشة الواقع الميداني وتضارب المصالح والاستراتيجيات للدول المتورطة في الملف السوري، تضع كل الاحتمالات والسيناريوهات أمام احتمال الفشل أو النجاح الجزئي”.

وتلا إلغاء الانتخابات دعوات للحوار أطلقها زعيم قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، الذي اعتبر أن الأزمة السورية لا يمكن حلها بالعنف والحرب، معرباً عن استعداده “للحوار مع جميع الأطراف والقوى بما فيها تركيا، ودعم أي حوار يؤدي إلى وقف القتال والتوصل إلى حل سياسي للحرب في سوريا”.

ووصف الباحث علي التميمي دعوة عبدول بأنها “ملغومة” من حيث التوقيت، إذ جاءت للتغطية على إطلاق سراح قيادات وعناصر تنظيم “داعش” من سجون الحسكة ضمن العفو العام الذي أصدره، بالإضافة للتغطية على إلغاء الانتخابات حتى لا تظهر بمظهر الضعيف الخاضع للضغوط التركية.

في حين أرجع الكاطع دعوة عبد الحوار إلى “إدراك أن شرعية إدارة قسد مهددة في حال عدم حصولها على الاعتراف السياسي، وهذا لم يحدث حتى الآن ولا أتوقع أن يحدث”.

ترامب أم هاريس؟

بين إلغاء الانتخابات المحلية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتهديدات التركية المستمرة، تبرز دعوات القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي للحوار مع جميع الأطراف في وقت حساس، يتزامن مع ترقب نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة، والتي ينتظرها الجميع لمعرفة من سيكون الرئيس المقبل للبيت الأبيض: دونالد ترامب أم كامالا هاريس، وما تأثير ذلك على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وخاصة التوازنات في سوريا ومصير قسد.

وتطرح أسئلة حول من سيكون الأفضل لقوات سوريا الديمقراطية، هل هو ترامب الذي اتبع خلال إدارته السابقة نهجاً انعزالياً تجاه سوريا، وركز على سحب القوات الأميركية واعتمد على الصفقات، وهو ما أثر سلباً على قوات سوريا الديمقراطية؟

أم هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي بعد انسحاب بايدن، والتي أظهرت خلال فترة رئاستها التزاما أكبر بدعم قوات سوريا الديمقراطية والحفاظ على الاستقرار في المنطقة، مع السعي إلى تحقيق التوازن في العلاقات مع تركيا وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين؟

ويرى محللون أن ترامب سيكون الخيار الأسوأ بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، لأنه يركز على المصالح التي لها تأثير مباشر على إدارته، وبالتالي فهو مستعد للدخول في صفقات مع تركيا وروسيا من شأنها تعريض قوات سوريا الديمقراطية للخطر.

في المقابل، لا يبدو هاريس بعيداً عن سياسات بايدن وأوباما في استراتيجية البقاء الأميركية في المثلث الحدودي (سوريا ـ العراق ـ تركيا)، لكن قد تكون هناك سياسات جديدة في بعض الملفات تحمل مفاجآت غير متوقعة، بحسب الباحث مهند القطا.

 

أما الباحث علي التميمي فيرى أن فوز ترامب في الانتخابات مرجح، وهو ما يعني سحب القوات الأميركية من سوريا، باستثناء قاعدة التنف التي تعتبر حيوية لأمن إسرائيل، مع الاحتفاظ بعدد من القواعد في العراق.

ويضيف تامي أنه في حال فوز هاريس فإن القوات الأميركية ستبقى في سوريا وستستمر الدورة الحالية، مشيرا إلى أن أنقرة تستعد لكل السيناريوهات المحتملة، ولذلك تحاول التقرب من دمشق وتطبيع العلاقات معها، وتسعى إلى توسيع اتفاقية أضنة من 5 كم إلى 35 كم لإضفاء الشرعية على عملياتها ووجودها العسكري الطويل الأمد في سوريا.

للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
Scan the code
مرحبا...
كيف يمكنا مساعدتك؟