مواطنون: منصات التواصل الاجتماعي تجاوزت حدود حرية التعبير إلى نشر المحتوى الهابط

تؤمن سلطنة عمان بحرية الرأي والتعبير، ويكفل النظام الأساسي للدولة حرية التعبير وفقاً للقانون، إلا أن ما يحدث الآن على وسائل التواصل الاجتماعي يخالف الكثير من المبادئ والعادات والتقاليد والطابع الأصيل الذي بني عليه المجتمع العماني المعروف بتوازنه وشخصيته التي تستمد قوتها من هويته الثقافية وتكوينه التاريخي والحضاري.
ويرى مواطنون أن ظهور الكثير من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل يؤثر على شخصية ومكانة الإنسان العماني، يتطلب سن قوانين تنظم الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي للحد من المخالفات.
أكد عدد من أعضاء مجلس الشورى والمختصين الاجتماعيين على ضرورة وجود قانون لتنظيم الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي لحماية هيبة الشعب العماني وعاداته وتقاليده والحفاظ على سلوك الفرد وقوة شخصية الأجيال القادمة التي قد تنجذب لمثل هذه السلوكيات غير المقبولة.
وقال سعادة الدكتور طلال بن سعيد المحاربي نائب رئيس اللجنة القانونية بالمجلس: نتيجة للتطور التقني والتكنولوجي الذي يشهده العالم وما نتج عنه من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من السهل والبسيط على المستخدمين التواصل مع الأفراد والوصول إليهم، وتتميز هذه الوسائل بانتشارها وسرعتها، وبالتالي تمثل بيئة خصبة لمن يرغب في احتراف الأنشطة الترويجية والإعلامية، والحقيقة أن هذه الوسيلة وما تحققه من انتشار وانتشار واسع لها إيجابيات عديدة يمكن الاستفادة منها في عدة جوانب لها تأثيرها الشخصي على المستخدم نفسه وعلى المجتمع، متى ما استخدمت بالشكل الأمثل في حدود ونطاق ما يسمح به القانون من حقوق وحريات، ودون المساس بحقوق وحريات الآخرين أو النظام العام والآداب والآداب العامة.
وأكد المحاربي أن الواقع يظهر لنا حقيقة مرة -للأسف- وهي أن بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يتجاهلون القانون والدين والقيم والعادات والأخلاق والشخصية العمانية الأصيلة من خلال المحتوى الضعيف الذي ينشرونه بهدف تحقيق الشهرة والانتشار والمتابعة.
موضحا أنه رغم ذلك لا نستطيع تعميم الأمر على كافة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي يقومون بأعمال وطنية واجتماعية وإنسانية ويحققون أهدافهم سواء الشخصية أو الاجتماعية دون المساس بالآخرين وفي حدود حرياتهم المقررة ودون المساس بالنظام العام والآداب.
وأشار نائب رئيس اللجنة القانونية بمجلس الشورى إلى أن الخطأ الذي يقع فيه بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أمر يجب أن يعالجه الجهة المعنية والمسؤولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهته ووضع الضوابط فيما يتعلق بالإعلام الإلكتروني، حيث تمثل وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً مهماً من قطاع الإعلام نظراً لسهولتها وانتشارها وقدرتها على الوصول إلى كافة شرائح المجتمع وتأثيرها الإيجابي والسلبي عليهم.
وأوضح معاليه أن هناك مجموعة من القوانين التي يخضع لها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، منها قانون المطبوعات والنشر وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وهناك أيضاً مشروع قانون الإعلام الذي تمت مناقشته في مجلس عمان، ويتضمن هذا القانون العديد من القواعد القانونية المنظمة للإعلام الإلكتروني ومسؤولية الإعلامي عن المحتوى الذي يصدره، ولكن هذا لا يعني أنه من غير الممكن إصدار قانون ينظم الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي، فعندما يكشف الواقع عن الحاجة إلى إصدار هذا القانون، فإن هذا سيحدث بلا شك، ونعتقد أن تحديد هذه الحاجة لا يمكن أن يتم إلا بعد صدور قانون الإعلام الجديد وتنفيذه، ومن ثم قياس أثره القانوني، وعندها ستظهر بوضوح أهم القضايا التي تحتاج إلى تدخل تشريعي.
وأكد معالي الدكتور طلال بن سعيد المحاربي أن مجلس الشورى يؤمن إيماناً كاملاً بأهمية الإعلام الإلكتروني، وأهمية مراقبته والإشراف عليه، وتنظيمه على النحو الأمثل الذي يجعله وسيلة إيجابية تعكس قيم وأخلاق المجتمع، بعيداً عن التشويش والبلبلة. وترجمة لهذا الاهتمام، يستقبل المجلس من خلال اللجان المختصة، ما يرد إليه من ملاحظات وانتقادات ومقترحات، ويرصدها، ثم يقترح وفقاً لاختصاصاته والصلاحيات الممنوحة له بعض مشاريع القوانين أو تعديل بعضها بما يتوافق مع احتياجات المجتمع.
- تنظيم المحتوى
من جانبها قالت هانية بنت سعيد الصبحي الباحثة في الشؤون الاجتماعية: إن وسائل التواصل الاجتماعي من الوسائل الإعلامية المؤثرة في هذه الفترة، وبدأ أفراد المجتمع العماني بعرض محتواهم على هذه المنصات، ويختلف المحتوى الإعلامي الذي يقدمه أفراد المجتمع حسب اهتماماتهم، فمنهم من يقدم المحتوى لزيادة عدد المتابعين والحصول على دخل مالي أو من أجل أن يصل موضوعه إلى ما يسمى بالترند وهكذا.
وأضافت السبحية: يمكننا أن نتحدث عن كيفية إعادة التفكير في المحتوى الإعلامي الذي يقدمه المجتمع العماني عبر المنصات الحديثة من خلال مساهمة المؤسسات التعليمية والإعلامية في تقديم برامج تثقيفية وتوعوية تساهم في رفع الوعي بأهمية المحتوى الإعلامي المتداول والمقدم مع مراعاة خصوصية المجتمع العماني، كما يمكننا التأكيد على مبدأ نشر ثقافة التفكير النقدي عند استهلاك المحتوى الإعلامي وتحديداً إتقان مهارات التحقق من المعلومات بمصداقية تامة وهو ما دعا إليه عالم الاجتماع بيير بورديو في نظريته في رأس المال الثقافي بضرورة وجود وعي نقدي بكيفية استخدام وسائل الإعلام لتعزيز العدالة الاجتماعية.
وأشارت إلى أنه من الضروري التركيز على المشاركات الهادفة والفعالة التي تساهم في رفعة المجتمع العماني وتكافله دون التركيز على المحتويات الإعلامية التافهة ذات التوجه المادي المحض، كما يمكن مشاركة المجتمع المحلي كالجمعيات الخيرية والفرق ومكاتب المحافظين بالتعاون والتركيز على أهمية توعية المجتمع بأهمية اختيار المحتويات الإعلامية الفعالة والمؤثرة التي تخدم المجتمع العماني.
وأكد السبحية أن تحسين وتنظيم المحتوى الإعلامي الذي يقدمه أفراد المجتمع العماني على المنصات الإعلامية سيسهم بشكل إيجابي في تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي للمجتمع العماني، وسيقلل من الجوانب السلبية أو المخاطر التي قد يتعرض لها، لافتاً إلى أن أي محتوى إعلامي غير منهجي أو لم تتم دراسته ونقده بشكل جيد، يمكن أن يكون عرضة للسخرية والاستهزاء وربما الاستغلال من قبل أطراف أخرى، خاصة إذا كان يحتوي على تحيزات مسبقة ومثيرة للجدل ويختلف بشكل كبير عن المعايير الثقافية والاجتماعية للمجتمعات الأخرى.
من جانبها أكدت حليمة بنت عوض المانع الباحثة الاجتماعية بوزارة الداخلية أن وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت أصبحت مجتمعاً افتراضياً ينمو مع الوقت، فهي أداة إعلامية تواكب التطورات السريعة التي يشهدها العالم أجمع، كما أنها تؤثر بشكل عميق على قرارات وأفكار واستجابات المتلقي بناء على أنماط شخصية الفرد (سمعية – حسية – بصرية)، معتبرة أن (المتلقي) أو المتأثر يشكل محوراً مهماً في عملية التأثير، ويساهم (المرسل) أو المؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في إحداث تغيير في بعض المفاهيم والأفكار والمشاعر والسلوكيات والمواقف لدى المتلقي.
وأوضح المعني أن المواضيع التي تثار على مواقع التواصل الاجتماعي تتشكل على أساس المصالح المشتركة للأفراد لتحقيق إشباع رغبات كل فئة تشارك في الأنشطة ذاتها، فنجد أنها تتيح تبادل الأفكار والأخبار حول تلك المصالح المشتركة عبر فضاءات داخلية وخارجية يتم تداولها سريعاً وفق خوارزميات تقنية محددة حتى تصبح المنفذ الإعلامي الأول لنشر ما يعرف بالحصريات أو الأخبار التي تتصدر الترند بغض النظر عن دقتها، والأهم أن تصل المعلومة إلى أكبر شريحة ممكنة وتثير اهتمام وفضول كل من يزور تلك المواقع.
وأضافت: بالإضافة إلى ذلك تلعب منصات التواصل الاجتماعي المختلفة والمواقع الإلكترونية دوراً مهماً في عمليات التأييد والرفض للمواضيع التي تطرح في حديث الساعة، والتي تشكل في مجملها اتجاهات الرأي العام تجاه أي موضوع؛ وهناك العديد من المواضيع التي تم تداولها في الآونة الأخيرة، لكن هذا ليس بالضرورة أمراً إيجابياً للتعبير عن حرية الرأي والنشر والتداول؛ بل له أيضاً طابع سلبي طالما أن كل ما يطرح على هذه المواقع لا يحمل في طياته قضية إنسانية أو بعداً اقتصادياً أو أثراً صحياً أو يمس أي جانب من جوانب الحياة لعامة الناس.
- محتوى إيجابي
وأوضحت أسماء بنت عبدالله البلوشي أن ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات أحدثت تأثيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، حيث يتواصل ملايين البشر عبر هواتفهم من مختلف أنحاء العالم، فأصبح نقل الأخبار والمعلومات لحظياً، ومن التأثيرات المصاحبة لهذه التقنية انتشار الشائعات واختلاف المحتوى المتبادل بين الناس، ومن هنا تبدأ تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي في إحداث تأثير واسع على ثقافة المجتمع، فضلاً عن أنها تتيح طرح ومناقشة العديد من القضايا، مثل القضايا الاجتماعية والاختلافات الثقافية، حيث تتنوع تأثيرات هذه الوسائل على المجتمعات بين الإيجابية والسلبية.
وقالت: من المهم جدًا توجيه المجتمع ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، نحو اختيار المحتوى الإيجابي والقيم والمفيد، وكذلك تشجيع أبنائنا على المشاركة في تقديم وتطوير المحتوى المتميز، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في إنشاء منصات إعلامية تعكس بشكل إيجابي واقع المجتمع وتشرك أفراد المجتمع في القضايا الاجتماعية بشكل إيجابي ومفيد، ومن الضروري أن يعكس أفراد المجتمع المشاركون في شبكات التواصل الاجتماعي صورة المواطن العماني وأن يتسموا بالأخلاق والثقافة العالية وعدم الانجرار وراء الشائعات والتأثر بالأفكار المضللة.
وأكدت أنه من الضروري أن نكون مسؤولين خلال تفاعلنا على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامنا للتقنيات الحديثة، وأن يكون ذلك بما يخدم مصلحة سلطنة عمان الحبيبة.
وأكدت الباحثة الاجتماعية أبرار بنت ناصر الحضرمي أن وجود قانون ينظم عملية الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي له أهمية قصوى لحماية الأفراد والمجتمع من المخاطر المحتملة، ويساهم في بناء مجتمع رقمي أكثر وعياً ومسؤولية، كما يمكن أن يعزز مسؤولية الأفراد والمؤسسات في نشر محتوى موثوق ومسؤول، ويعمل على حماية الأطفال والمراهقين من المحتوى الضار، بما في ذلك التنمر الإلكتروني الذي زاد مؤخراً، كما يمكن للقانون حماية خصوصية الأفراد ومنع استغلال بياناتهم الشخصية بطرق غير قانونية من خلال تحقيق التوازن بين حرية التعبير والتنظيم، كما يمكن للقانون ضمان بيئة رقمية آمنة ومسؤولة، مما يعزز الوعي والتثقيف حول الاستخدام الآمن لوسائل التواصل الاجتماعي.
للمزيد : تابع خليجيون 24 ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر